بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سَألَ رَاهِـبٌ رَسُـولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَـلَيْهِ وَآلِـه وَسَلَّمَ يُعْـرَفُ
بِشَمْعُونُ بِنْ لاَوِي بِنْ يَهُودَا عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٌ فَأجَابَهُ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ عَنْ جَمِيعِ مَا سَألَ عَنْهُ فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ ، قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَقْلِ مَاهُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَمَا يَتَشَعَّبُ مِنْهُ وَمَالاَ
يَتَشَعَّـبُ وَصِـفْ لِي طَـوَائِفَهُ كُلَّهَا ؟ فَقَالَ رَسُـولَ اللهِ صَلّـَى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ الْعَقْلَ عِقَالٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالنَّفْسِ مِثْلُ أَخْبَثَ الدَّوَابِّ فَإِنْ
لَمْ تُعْقَلْ حَارَتْ ، فَالْعَقْلُ عِقَالٌ مِنَ الْجَهْلِ ، وَإِنَّ اللهَ خَلَقَ
الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ أَقْبِلْ، فَأقْبَلْ، وَقَالَ لَهُ أدْبِـرْ ، فأدْبَـرْ ، فَقَالَ
اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِيمَا خَلَقْتُ خَلْقًا أعْظَمُ مِنْكَ
وَلاَ أطْـوَعُ مِنْكَ ، بِـكَ أبْـدَأ وَبِكَ أعِيـدُ ، لَـكَ الثَّـوَابُ وَعَـلَيْكَ
الْعِقَابُ.
فَتَشَعَّـبَ مِـنَ الْعَقْلِ الْحِلْمَ ، وَمِـنَ الْحِلْمِ الْعِلْمَ ، وَمِـنَ الْعِلْمِ
الرُّشْدَ ، وَمِن الرُّشْدِ الْعَفَافَ، وَمِنَ الْعَفَافِ الصَّيَانَةَ، وَمِنَ
الصَّيَانَةِ الْحَيَاءَ، وَمِنَ الْحَيَاءِ الرَّزَانَةَ وَمِنَ الرَّزَانَةِ الْمُدَاوَمةَ
عَلَى الْخَيْرِ ، وَمِنَالْمُدَوَمَةِ عَـلَى الْخَيْرِ كَرَاهِيَةَ الشَّـرِّ، وَمِـنْ
كَـرَاهِيَـةِ الشَّـرِّ طَاعَـةَ النَّاصِحِ ، فَهَـذَهِ عَـشْـرَةُ أصْنَـافٍ مِــنْ
أنْوَاعِ الْخَيْرِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرَةِ الأصْنَافِ عَشْرَةُ
أنْـوَاعٍ.
فَأمَّا الْحِلْمُ: فَمِنْهُ رُكُوبُ الْجَمِيلِ، وَصُحْبَةُ الأبْرَارِ، وَرَفْعٌ مِنَ
الضِّعَةِ، وَرَفْـعٌ مِنَ الْخَسَاسَةِ، وَتَشَهِّيالْخَيْرَ، وَيُقَـرِّبَ صَاحِبَهُ
مِـنْ مَعَالِي الدَّرَجَاتِ، وَالْعَفْـوَ وَالْمُهَلَ وَالْمَعـْرُوفَ وَالصّـًمْـتَ،
فَهَذَا مَا يَتَشَعَّبُ لِلْعَاقِلِ بِحِلْمِهِ.
وَأمَّا الْعِلْمَ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْغِنَى وَإِنْ كَانَ فَقِيرَا، وَالْجُودَ وَإِنْ
كَانَ بَخِيـلاً ، وَالْمَهَابَـةَ وَإِنْ كَانَ هَـيِّـنًا ، وَالسَّلاَمَـةَ وَإِنْ كَانَ
سَقِيمًا ، وَالْقُرْبَ وَإِنْ كَانَ قَصِيًّا، وَالْحَيَاءَ وَإِنْ كَانَ صِلْفًا ،
وَالرِّفْعَةَ وَإِنْ كَانَ وَضِيعًا، وَالشِّرَفَ وَإِنْ كَانَ رَذِلاً، وَالْحِكْمَةَ
وَالْحُظْوَةَ، فَهَذَا مَا يَتَشَعَّبُ لِلْعَاقِلِ بِعِلْمِهِ، فَطُوبَى لِمَنْ عَقِلَ
وَعَلِمَ.
وَأمَّا الرُّشْدَ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ السَّدّادَ وَالْهُدَى، وَالْبِرَّ وَالتَّقْوَى ،
وَالْمَنَالَةَ ، وَالْقَصْدَ وَالإقْتِصَادَ ، وَالثَّـوَابَ وَالْكَـرَمَ ، وَالْمَعْـرِفَةَ
بِدِينِ اللهِ، فَهَذَا مَا أصَابَ الْعَاقِلَبِالرُّشْدِ، فَطُوبَى لِمَنْ أقَامَ بِهِ
عَلَى مِنْهَاجِ الطَّرِيقَ.
وَأمَّا الْعَفَافَ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ الرِّضَا والإسْتِكَانَةِ،وَالْحَظَّ وَالرَّاحَةَ
وَالتَّفَقُّدَ ، وَالْخُشُوعَ وَالتَّذَكُّرَ ، وَالتَّفَكُّرَ ، وَالْجُودَ وَالسَّخَاءَ ،
فَهَذَا مَا يَتَشَعَّبُ لِلْعَاقِلِ بِعَفَافِهِ ، رَضِيَ بِاللهِ وَبِقَسَمِهِ.
وَأمَّا الصِّيَانَةُ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا الصَّلاَحَ وَالتَّوَاضُعَ ، وَالْوَرَعَ
وَالإنَابَـةَ ، وَالْفَهْـمَ وَالأدَبَ ، وَالإحْسَانَ وَالتَّحَـبُّبَ ، وَالْخَـيْـرَ
وَاجْتِنَاءَ الْبِشـْرَ ، فَهَذَا مَا أصَابَ الْعَاقِلَ بِالصِّيَانَةِ، فَطُوبَى
لِمَنْ أكْـرَمَهُ مَوْلاَهُ بِالصِّيَانَةِ .
وَأمَّا الْحَيَاءُ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ اللِّينَ وَالـرَّأفَةَ ، وَالْمُرَاقَبَةُ للهِ فِي
السِّــرِّ وَالْعَلاَنِيَةَ ، وَالسَّلاَمَـةَ وَاجْتِـنَابَ الشَّــرِّ ، وَالْبَشَاشَـةَ
وَالسَّمَاحَةَ ، وَالظَّفَرَ وَحُسْنِ الثُّنَاء عَلَى الْمَرْء فِي النَّاسِ ،
فَهَـذَا مَا أصَابَ الْعَاقِـلَ بِالْحَيَاءِ ، فَطُوبَى لِمَـن قَبِلَ نَصِيحَةَ
اللهِ وَخَافَ فَضِيحَتَهُ.
وَأمَّا الرَّزَانَةَ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا اللُّطْفَ، وَالْحَزْمَ، وَأدَاءُالأمَانَةِ ،
وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ، وَصِدْقُ اللِّسَانِ وَتَحْصِينُ الْفَـرْجِ، وَاسْتِصْلاَحُ
الْمَالِ، وَالإسْتِعْدَادِ لِلْعَدُوِّ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَرْكُ السَّفَهِ ،
فَهَذَا مَا أصَابَ الْعَاقِلَ بِالرَّزَانَةِ، فَطُوبَى لِمَنْ تَوَقَّرَ وَلِمَنْ لَمْ
تَكُنْ لَهُ خِفَّةٍ وَلاَ جَاهِلِيَّةٍ وَعَفَا وَصَفَحَ.
وَأمَّا الْمُـدَاوَمَـةِ عَـلَى الْخَيْرِ: فَيَتَـشَعَّـبُ مِنْهُ تَـرْكُ الْفَـوَاحِشَ
وَالْبُعْدِ مِنَ الطَّيْشِ، وَالتَّحَـرُّجِ وَالْيَقِينِ، وَحُبِّ النَّجَاةِ وَطَاعَـةَ
الرَّحْمَنِ، وَتَعْظِيمِ الْبُرْهَانِ وَاجْتِنَابِ الشَّيْطَانِ، وَالإجَابَةِ لِلْعَدْلِ
وَقَـوْلَ الْحَقِّ، فَهَـذَا مَا أصَابَ الْعَاقِلَ بِمُدَاوَمَةِ الْخَيْرَ فَطُوبَى
لِمَنْ ذَكَرَ إمامَهُ وَذَكَرَ قِيَامَهُ وَاعْتَبَرَ بِالْفَنَاءِ.
وَأمَّا كَـرَاهِيَـة الشَّـرِّ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهُ الْوَقَارَ وَالصَّبْرَ، وَالنَّصْـرَ
وَالإسْتِقَامَـة عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَالْمُدَاوَمَـةَع َلَى الرَّشَادِ وَالإيمَانُ
بِاللهِ ، وَالتَّـوَقُّـرِ وَالإخْلاصُ ، وَتَـرْكُ مَالاَ يَعْـنِيهِ وَالْمُحَافَظَـةُ
عَلَى مَا يَنْفَعُـهُ ، فَهَذَا مَا أصَابَ الْعَاقِلَ بِالْكَرَاهِيَـةِ لِلشَّرِّ ،
فَطُوبَى لِمَنْ أقَامَ بِحَقِّ اللهِ وَتَمَسَّكَ بِعُـرَى سَبِيلِ اللهِ.
وَأمَّا طَاعَـةَ النَّاصِحَ: فَيَتَشَعَّبُ مِنْهَا الـزِّيَادَةُ فِي الْعَقْلِ وَكَمَالُ
اللُّبِّ، وَمَحْمَدَة الْعَوَاقِبِ وَالنَّجَاةَ مِنَ اللُّؤْمِ، وَالْقَبُولِ وَالْمَوَدَّةِ
، وَالإنْشِـرَاحِ وَالإنْصَافِ ، وَالتَّقَـدُّمِ فِي الأمُورِ وَالْقُـوَّةِ عَـلَى
طَاعَةِ اللهِ ، فَطُوبَى لِمَـنْ سَلِمَ مِـنْ مَصَارِعَ الْهَوَى ، فَهَـذِه
الْخِصَالَ كُلَّهَا تَتَشَعَّبُ مِنَ الْعَقْلِ.
قَالَ شَمْعُــونُ ، فَاخْبِرْنِي عَــنْ أعْلاَم الْجَاهِـلَ:فَقَالَ عَـلَيْهِ
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: إنْ صَحِبْتَهُ عَنَّاكَ ، وَإنْ اعْتَزَلْتَهُ شَتَمَكَ،
وَإنْ أعْطَاكَ مَـنَّ عَـلَيْكَ، وَإنْ أعْطَيْتَهُ كَفَـرَكَ ، وَإنْ أسْـرَرْتَ
إلَيْهِ خَانَكَ ، وَإنْ أسَـرَّ إلَيَكَ اتَّهَمَكَ ، وَإنِ اسْتَغْـنَى بَطَـرَ ،
وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا ، وَإنِ افْتَقَرَ جَحَدَ نِعْمَةَ اللهِ وَلَمْ يَتَحَرَّجَ ،
وَإنْ فَرِحَ أسْرَفَوَطَغَى، وَإنْ حَزِنَ آيَسَ، وَإنْ ضَحِكَ فَهَقَ ،
وَإنْ بَكَىَ خَـارَ ، يَقَعُ فِـي الأبْـرَارِ وَلاَ يُحِـبُّ اللهَ وَلاَ يُـرَاقِبُـهُ
وَلاَ يَسْتَحِي مِنَ اللهِ وَلاَ يَذْكُـرُهُ، إنْ أرْضَيْتَهُ مَدَحَكَ وَقَالَ فِيكَ
مِنَ الْحَسَنَةِ مَا لَيْسَ فِيكَ ، وَإنْ سَخِطَ عَلَيْكَ ذَهَبَـتْ مِدْحَتَهُ
وَوَقَعَ فِيكَ مِنَ السُّوء مَا لَيْسَ فِيكَ ، فَهَذَا مَجْرَى الْجَاهِلَ.
قَالَ: فَأخْبِرْنِي عَنْ عَلاَمَةَ الإسْلاَمِ ؟فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الإيمَانُ وَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ.
قَالَ: فَمَا عَلاَمَـةُ الإيمَانِ وَمَا عَلاَمَـةُ الْعِلْـمِ وَمَا عَلاَمَـةُ
الْعَمَلِ ؟فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
أمَّا عَلاَمَةُ الإيمَانِ فَأرْبَعَةٌ: الإقْرَارُ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَالإيمَان بِهِ
وَالإيمَانُ بِكُتُبِهِ ، وَالإيمَانُ بِرُسُلِهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْعِلْمِ فَارْبَعَةٌ: الْعِلْمُ بِاللهِ ، وَالِعِلْمُ بِمُحِبَّهِ، وَالْعِلْمُ
بِفَرَائِضِهِ ، وَالْحِفْظُ لَهَا حَتَّى تُؤَدَّى.
وَأمَّا عَـلاَمَـة الْعَمَـلِ فَارْبَعَـة: الصَّـلاَةُ، وَالصَّــوْمُ ، وَالزَّكَاةُ
وَالإخْـلاَصُ.
قَالَ: فَأخْبِرْنِـي عَـنْ عَلاَمَـةُ الصَّادِقْ ، وَعَلاَمَـة الْمُـؤْمـِنْ ،
وَعَلاَمَةُالصَّابِرْ وَعَلاَمَةُ التاَّئِهْ ، وَعَلاَمَةُ الشاَّكِـرْ ، وَعَلاَمَةُ
الْخَاشِعْ ، وَعَـلاَمَـةُ الصَّـالِحْ ، وَعَـلاَمَـةُ النَّاصِحْ ، وَعَلاَمَـةُ
الْمُوقِنْ، وَعَلاَمَةُ الْمُخْلِصْ، وَعَلاَمَةُ الزَّاهِدْ، وَعَلاَمَةُ الْبَار ،
وَعَـلاَمَـةُ التَّـقِي ، وَعَـلاَمَـةُ الْمُتَكَـلِّـفْ ، وَعَلاَمَـةُ الظَّالِـمْ ،
وَعَـلاَمَـةُ الْمُـرَائِي ، وَعَلاَمَـةُ الْمُنَافِـقْ ، وَعَـلاَمَـةُ الْحَاسِدْ ،
وَعَـلاَمَـةُ الْمُسْـرِفْ ، وَعَـلاَمَـةُ الْغَافِـلْ ، وَعَـلاَمَـةُ الْخَائِنْ ،
وَعَلاَمَـةُ الْكَسْلاَنْ ، وَعَلاَمَـةالْكَذَّابْ ، وَعَلاَمَة الْفَاسِقْ ؟.
فَقَالَ عَـلَيْهِ الصَّـلاَةُ وَالسَّـلاَمُ: أمَّاعَـلاَمَـةُ الصَّـادِقْ فَأرْبَعَـةٌ:
يُصـْدِقُ فِـي قَـوْلِـهِ ، وَيُصْـدِقُ وَعْــدَ اللهِ وَوَعِـيـدَهُ ، وَيُـوفِي
بِالْعَهْـدِ ، وَيَجْتَنِب الْغَدْرِ.
وَأمَّا عَلاَمَـةُ الْمُؤْمِـنْ: فَإنَّهُ يَرْؤُفُ وَيَفْهَـمُ وَيَسْتَحِيي.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الصَّاَبِرْ فَأرْبَعَةٌ: الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارهِ ، وَالْعَزْمِ
فِي أعْمَالِ الْبِرِّ ، وَالتَّوَاضُعِ ، وَالْحِلْمِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ التَّائِبِ فَأرْبَعَةٌ: النَّصِيحَةُ للهِ فِي عَمَلِهِ ، وَتَرْكُ
الْبَاطِلِ ، وَلُزُومُ الْحَقِّ ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْخَيْرِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الشَّاكِـرِ فَأرْبَعَـةٌ: الشُّكْـرِ فِي النَّعْمَاء ، وَالصَّـبْرُ
فِي الْبَلاَءِ ، وَالْقُنُوعِ بِقَسَمِ اللهِ ، وَلاَ يَحْمُدُ وَلاَ يُعَظِّمُ إلاَّ اللهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْخَاشَعِ فَأرْبَعَةٌ: مُرَاقَبَةُ اللهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ
، وَرُكُوبِ الْجَمِيل ، وَالتَّفَكُّرِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالْمُنَاجَاةُ للهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الصًّالِحَ فَأرْبَعَةٌ: يُصَفِّي قَلْبَهُ ، وَيُصْلِحَ عَمَلَهُ ،
وَيُصْلِحَ كَسْبَهُ ، وَيُصْلِحَ أمُورَهُ كُلَّهَا.
وَأمَّا عَلاَمَةُ النَّاصِحَ فَأرْبَعَةٌ: يُقْضِي بِالْحَقِّ ، وَيُعْطِي الْحَقَّ
مِـنْ نَفْسِهِ ، وَيُرْضِي لِلنَّاسِ مَا يَرْضَاهُ لِنَقْسِهِ ، وَلاَ يَعْتَـدِي
عَلَى أحَدٍ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْمُوقِنَ فَسِتَّةٌ: أيْقَنَ بِاللهِ حَقًّا فَآمَنَ بِهِ، وَأيْقَنَ
بِأنَّ الْمَـوْتَ حَـقٌّ فَحَـذَرَهُ ، وَأيْقَـنَ بِأنَّ الْبَعْــثَ حَـقٌّ فَخَـافَ
الْفَضِيحَةَ، وَأيْقَنَ ِأنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ فَاشْتَاقَ إلَيْهَا ، وَأيْقَنَ بِأنَّ
النَّارَ حَـقٌّ فَظَهَرَ سَعْـيَـهُ لِلنَّجَاةِ مِنْهَا ، وَأيْقَـنَ بِأنَّ الْحِسَابَ
حَقٌّ فَحَاسَبَ نَفْسَهُ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْمُخْلِصَ فَأرْبَعَةٌ: يُسْلِمُ قَلْبَهُ، وَيُسْلِمُ جَوَارِحَهُ،
وَبَذَلَ خَيْرَهُ ، وَكَفَّ شَرَّهُ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الزَّاهِدَ فَعَشْرَةٌ: يُزْهِدُ فِي الْمَحَارِمِ، وَيَكُفُّ نَفْسَهُ
، وَيُقِيمُ فَرَائِضَ رَبِّهِ، فَإنْ كَانَ مَمْلُوكًأ أحْسَنَ الطَّاعَةِ، وَإنْ
كَانَ مَالِكًا أحْسَـنَ الْمَمْلَكَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ حِمْيَـةٌ وَلاَ حِقـْدٌ ،
يُحْسِنُ إلَى مَنْ أسَاءَ إلَيْهِ، وَيَنْفَعُ مَنْ ضَرَّهُ ، وَيَعْفُو عَمَّنْ
ظَلَمَهُ ، وَيَتَوَاضَعُ لِحَقِّ اللهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْبَارُّ فَعَشْرَةٌ: يُحِبُّ فِي اللهِ وَيَبْغَضُ فِي اللهِ ،
وَيُصَاحِبُ فِي اللهِ ، وَيُفَارِقُ فِي اللهِ ، وَيَغْضَبُ فِي اللهِ ،
وَيَرْضَى فِي اللهِ ، وَيَعْمَلُ فِي اللهِ وَيَطْلُبُ إلَيْهِ ، وَيَخْشَعُ
خَائِفًا مُخَـوَّفًا ، طَاهِــرًا مُخْلِصًا،مُسْتَحْيِيًا مُرَاقِبًا، وَيُحْسِـنُ
فِي اللهِ.
وَأمَّا عَـلاَمَـةُ التَّقِي فَسِتَّـةٌ: يَخَافُ اللهَ ، وَيَحـْذَرُ بَطْشَهُ ،
وَيُمْسِـي ، وَيُصْبِحُ كَأنَّهُ يَـرَاهُ ، لاَتُهِمُّهُ الدُّنْيَا ، وَلاَ يُعْـظِـمْ
عَـلَيْهِ مِنْهَا شَيْئٌ لِحُسْنِ خُلُقِهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْمُتَكَلِّفِ فَأرْبَعَةٌ: الْجِدَالَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ، وَيُنَازِعُ
مَنْ فَوْقَهُ، وَيَتَعَاطَى مَا لاَ يَنَالُ، وَيَجْعَلُ هَمَّهُ لِمَا لاَ يُنْجِيهِ.
وَأمَّا عَـلاَمَةُ الظَّالِمِ فَأرْبَعَـةٌ: يَظْلِـمُ مَـنْ فَـوْقَـهُ بِالْمَعْصِيَـةِ ،
وَيَمْلِكُ مِنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ ، وَيُبْغِضُ الْحَقَّ، وَيُظْهِرُ الظُّلْمَ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْمُرَائِي فَأرْبَعَةٌ: يَحْرِصُ فِي الْعَمَلِ للهِ إذَا كَانَ
عِنْدَهُ أحَدٌ، وَيَكْسَلُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَيَحْرِصُ فِي كُلِّ أمْرِهِ
عَلَى الْمَحْمَدَةِ ، وَيُحْسِنُ سَمْتَهُ بِجَهْدِهِ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْمُنَافِقَ فَأرْبَعَةٌ: فَاجِرٌ دَخَلَهُ ، يُخَالِفُ لِسَانَهُ
قَلْبَهُ ، وَقَوْلَهُ فِعْلَهُ ، وَسَرِيرَتَهُ عَلاَنِيَتَهُ، فَوَيْلٌ لِلْمُنَافِقِ مِنَ
النَّار.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْحَاسِدَ: الْغِيبَةَ وَالتَّمَلُّقَ وَالشَّمَاتَةَ بِالْمُصِيبَةِ.
وَأمَّا عَـلاَمَـةُ الْمُسْـرِفَ فَأرْبَعَـةٌ: الْفَخْـرُ بِالْبَاطِلِ ، وَيَأكُـلُ
مَا لَيْسَ عِـنْدَهُ ، وَيَزْهَـدُ فِي اصْطِنَاعِ الْمَعْــرُوفِ، وَيُنْكـِرُ
مَنْ لاَ يَنْتَفِعُ بِشَيءٍ مِنْهُ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْغَافِلِ فَأرْبَعَةٌ: الْعَمَى وَالسَّهْوِ وَاللَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ.
وَأمَّا عَلاَمَـةُ الْكَسْلاَنِ فَأرْبَعَـةٌ: يَتَوَانَى حَتَّى يُفَـرِّطَ , وَيُفَـرِّطَ
حَتَّى يُضَيِّعَ , وَيُضَيِّعَ حَتَّى يَأثَمَ ، وَيَضْجَرُ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْكَذَّابِ فَأرْبَعَةٌ: إِنْ قَالَ لَمْ يُصَدَّقَ، وَإنْ قِيلَ لَهُ
لَمْ يُصَدِّقً , وَالنَّمِيمَةَ ، وَالْبُهْتَ.
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْفَاسِقِ فَأرْبَعَةٌ: اللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَالْعُدْوَانِ وَالْبُهْتَانِ
وَأمَّا عَلاَمَةُ الْخَائِنِ فَأرْبَعَةٌ: عِصْيَانُ الرَّحْمَنِ ، وَأذَ الْجِيرَانِ
، وَبُغْضُ الأقْرَانِ ، وَالْقُرْبُ إلَى الطُّغْيَانِ.
قَالَ شَمْعُون: لَقَدْ شَفَيْتَنِي وَبَصَّرْتَنِي مِنْ عَمَاي ، فَعَلِّمْنِي
طَرَائِقَ أهْتَدِي بِهَا.
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّـلاَةُ وَالسَّـلاَمُ: يَا شَمْعُــون ! إنَّ لَكَ أعْـدَاءً
يَطْلُبُونَكَ وَيُقَاتِلُونَكَ لِيُسْلِبُوا دِينَكَ مِنَ الإنْسِ وَالْجِنِّ ، فَأمَّا
الَّذِينَ مِنَ الإنْسِ فَقَوْمٌ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ رَغْبَةَ
لَهُمْ فِبمَا عِنْدَ اللهِ ، إنَّمَا هَمَّهُمْ تَغْيِيرُ النَّاسِ بِأعْمَالِهِمْ ، لاَ
يُعَيِّرُونَ أنْفُسَهُمْ وَلاَ يُحَاذِرُونَ أعْمَالَهُمْ ، إنْ رَأوْكَ صَالِحًا
حَسَدُوكَ وَقَالُوا: مِرَاءٍ، وَإنْ رَأوْكَ فَاسِدًا قَالُوا: لاَ خَيْرَ فِيهِ.
وَأمَّا أعْدَاؤُكَ مِنَ الْجِنِّ فَإبْلِيسَ وَجُنُودِهِ ، فَإذَا أتَاكَ فَقَالَ:
مَاتَ ابْنُـكَ !! فَقُـلْ: إنَّمَا خَلَـقَ الأحْيَاء لِيَمُـوتُـوا ، وَتَدْخُـلُ
بِضْعَةً مِنِّي الْجَنَّة ، إنَّهُ لَيًسُرُّنِي، فَإذَا أتَاكَ وَقَالَ: قَدْ ذَهَبَ
مَالُكَ !! فَقُلْ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أعْطَى وَأخَذَ وَأذْهَبَ عَنِّي
الزَّكَاةَ ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيَّ.
وَإذَا أتَاكَ وَقَالَ لَـكَ: النَّاسَ يَظْـلِمُـونَكَ وَأنْتَ لاَ تَظْـلِـمَ !!
فَقُلْ: " إنَّمَا السَّبِيلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِبنِ مِنْ سَبِيل " ، وَإذَا أتَاكَ وَقَالَ لَكَ:
مَا أكْثَرُ إحْسَانَكَ !! يُرِيدُ أنْ يُدْخِلَكَ الْعُجْبُ، فَقُلْ: إسَاءَتِي
أكْثَـرَ مِـنْ إحْسَانِي.
وَإذَا أتَاكَ وَقَالَ لَكَ: مَا أكْـثَـرُ صَـلاَتَـكَ !! فَقُلْ: غَـفْـلَتِي
أكْثَرُ مِنْ صَلاَتِي.
وَإذَا قَالَ لَكَ: كَمْ تُعْطِي النَّاسَ !! فَقَلْ: مَا آخُذُ أكْثَرَ مِمَّا
أُعْطِي . وَإذَا قَالَ لَكَ: مَا أكْثَرُ مَنْ يَظْلِمَكَ !!
فَقُلْ: مَنْ ظَلَمْتَهُ أكْثَرُ.
وَإذَا أتَاكَ وَقَالَ لَكَ: كَمْ تَعْمَلْ !!
فَقُلْ: طَالَ مَا عَصَيْتُ.
وَإذَا أتَاك وَقَالَ لَكَ: اِشْرَبَ الشَّرَابَ.
فَقُلْ: لاَ أرْتَكِبَ الْمَعْصِيَةَ.
وَإذَا أتَاكَ وَقَالَ لَكَ: ألاَ تُحِبَّ الدُّنْيَا ؟
فَقُلْ: مَا أُحِبَّهَا وَقَدْ اغْتَرَّ بِهَا غَيْرِي.
يَا شَمْعُون: خَالِطِ الأبْرَارِ ، وَاتَّبِعْ النَّبِيِّينَ: يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ
وَدَاوُدَ ، إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَـالَى لَمَّا خَلـَقَ السُّفْلَى فَخَــرَتْ
وَذَخَرَتْ وَقَالَتْ: أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟
فَخَلَقَ الأرْضَ فَسَطَحَهَا عَلَى ظَهْرِهَا فَذَلَّتْ ، ثُمَّ إنَّ الأرْضَ
فَخَرَتْ وَقَالَتْ: أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ اللهُ الْجِبَالَ فَأثْبَتَهَا
عَـلَى ظَهْـرِهَا أوْتَادًا مِـنْ أَنْ تُمِيـدَ بِمَاعَـلَيْهَا ، فَذَلَّـتِ الأرْضَ
وَاسْتَقَـرَّتْ ، ثُمَّ إنَّ الْجِبَالَ فَخـَرَتْ عَلَى الأرْضِ ، فَشَمَخَـتْ
وَاسْتَطَالَتْ وَقَالَتْ:
أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ الْحَدِيد ، فَقَطَعَهَا فَذَلَّتْ ، ثُمَّ إنَّ
الْحَدِيدَ فَخَرَ عَلَى الْجِبَالِ وَقَالَ: أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ
النَّارَ فَأذابَـتِ الْحَدِيـدَ ، فَـذَلَّ الْحَدِيـدَ ، ثُمَّ إنَّ النَّار زَفَــرَتْ
وَشَهَقَتْ وَفَخَرَتْ وَقَالَتْ: أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ الْمَاءَ،
فَأطْفَأهَا فَذَلَّتْ ، ثُمَّ إنَّ الْمَاءَ فَخَرَ وَذَخَرَ وَقَالَ: أيُّ شَيْءٍ
يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ الرِّيحَ فَحَرَّكَتْ أمْوَاجَهُ وَأثَارَتْ بِمَا فِي قَعْرِهِ
وَحَبَسَتْهُ عَـنْ مَجَارِيهِ ، فَذَلَّ الْمَاءَ ، ثُـمَّ إنَّ الرِّيحَ، فَخَـرَتْ
وَعَصَفَتْ وَقَالَتْ: أيُّ شَيْءٍ يَغْلِبُنِي ؟ فَخَلَقَ الإنْسَانَ، فَبَنَى
وَاحْتَالَ مَا يَسْتَـتِـرُ بِهِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِهَا فَذَلَّتْ الرِّيحَ، ثُمَّ إنَّ
الإنْسَانَ طَغَى وَقَالَ: مَـنْ أشَـدُّ مِنِّي قُـوَّةً ؟ فَخَلَـقَ الْمَـوْتَ
فَقَهَرَهُ فَذَلَّ الإنْسَانَ ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْتَ فَخَرَ فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لاَ تَفْخَرْ فَإنِّي ذَابِحُكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ: أهْلَ
الْجَنَّةِ وَأهْلَ النَّارِ ، ثُمَّ لاَ أُحْيِيكَ أبَدًا فَخَافَ.
ثُـمَّ قَالَ عَـلَيْهِ الصَّـلاَةُ وَالسَّـلاَمُ: وَالْحِلْـمَ يَغْـلِبُ الْغَضَـبَ ،
وَالرَّحْمَةَ تَغْلِبُ السَّخَطَ ، وَالصَّدَقَة تَغْلِبُ الْخَطِيئَةَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: تحف العقول عن الرسول وآل الرسول.